عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ:
(يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحفَظك،
احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ،
وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو
اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد
كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ
يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ،
وَجَفّتِ الصُّحُفُ)
أخرجه الترمذي كتاب: صفة القيامة، باب، (2516) والإمام أحمد- عن عبدالله بن عباس، ج1/ص293، (2669).
و إليكم ملخص شرح الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى:
قال: "إني أُعَلمُكَ كَلِمَاتٍ" قال ذلك من أجل أن ينتبه لها "اِحْفَظِ
اللهَ يَحفَظكَ" هذه كلمة عظيمة جليلة واحفظ تعني احفظ حدوده وشريعته بفعل
أوامره واجتناب نواهيه وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوم به عبادتك
ومعاملاتك وتدعو به إلى الله عزّ وجل،واحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك
ومالك ونفسك لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانه وأهم هذه
الأشياء هو أن يحفظك في دينك ويسلمك من الزيغ والضلال لأن الإنسان كلما
اهتدى زاده الله عزّ وجل هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً
وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) ، وعُلِمَ من هذا أن من لم يحفظ الله
فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزّ وجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله
عزّ وجل .
"وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ
يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك" الأمة كلها من أولها إلى
آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك,
وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة لأنه هو
الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله عزّ وجل ونعلم أن الأمة
لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزّ وجل.
"وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ
قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ" وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله
قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره، ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر
عنك،لأن الله تعالى يقول(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
)(الشورى: الآية40) .
من فوائد الحديث :
منقول...
1-ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو دونه حيث قال: "يَا غُلام إني أُعَلِمُكَ كَلِماتٍ".
2-أنه ينبغي لمن ألقي كلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه، حيث قال: "يَا غُلاَمُ إني أُعَلِمُكَ كَلِماتٍ".
3-أن من حفظ الله حفظه الله لقوله: "احفَظ الله يَحفَظكَ".
4-أن من أضاع الله - أي أضاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه،قال
تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ
أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر: 19)
5-أن من حفظ الله عزّ وجل هداه ودله على ما فيه الخير، وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر.
6-أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله، ولكن لا مانع أن يستعين
بغير الله ممن يمكنه أن يعينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وتُعينَ
الرجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحمِلَهُ عَليها أَو تَرْفَعَ لَهُ عَليها
مَتَاعَهُ صَدَقَة".
7-أن الأمة لن تستطيع أن تنفع أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له، ولن
يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه.
8-أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاءه بالله عزّ وجل وأن لايلتفت إلى المخلوقين، فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً.
9-أن كل شيء مكتوب منتهٍ منه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن
الله عزّ وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة
10-في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله عزّ وجل بطاعته في
الصحة والرخاء عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.
11-أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه، وأن الله عزّ وجل إذا لم يكتب عليه شيئاً فإنه لا يصيبه.
12-البشارة العظيمة للصابرين، وأن النصر مقارن للصبر.
13-فيه البشارة العظيمة أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدائد مقرون بالكرب، فكلما كر ب الإنسان الأمر فرج الله عنه.
14-البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر، وقد ذكر
الله تعالى ذلك في القرآن الكريم، فقال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:5-6] فإذا عسرت بك الأمور
فالتجيء إلى الله عزّ وجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده.
15-تسلية العبد عند حصول المصيبة، وفوات المحبوب على أحد المعنيين في
قوله: "وَاعْلَم أن مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ ، وَمَا أخطأَكَ
لَمْ يَكُن لِيصيبَك" فالجملة الأولى تسلية في حصول المكروه،والثانية
تسلية في فوات المحبوب. والله الموفق.